علي الرزيزاء.. روح التراث

كانت زيارتي لدار الفنان الكبير علي الرزيزاء رحلة مختلفة حملتني بين الماضي والحاضر، وجعلتني أعيش تفاصيل المكان الذي يفوح بعبق الذاكرة وأعماله التي تعكس روح التراث السعودي ببساطة وعمق. وقفت في قاعة الاستقبال أمام لوحة تجسد ملامح البيوت القديمة وأبوابها المزخرفة، فشعرت أنني أمام حوار صامت بيني وبين اللوحة، وكل خط ولون فيها يروي حكاية عن الإنسان السعودي وحياته اليومية.
كان الفنان علي الرزيزاء قد اختار أن يكون الفن جزءاً من حياته اليومية، فلم تكن مجرد لوحات تُعلق في المعارض، بل فلسفة عيش وذاكرة ممتدة ظهرت في تفاصيل بيته الذي استلهم فيه الإرث النجدي، ليصبح انعكاساً حياً لجمالياته، حتى تم تسجيل المنزل ضمن البيوت المميزة في السعودية بناء على طلب وزير الثقافة، ليكون مزاراً للشخصيات المهمة.
وزرت أيضاً الأرشيف الذي يحوي شرائح فيلمية أصلية لأعماله وأعمال الفنان سمير الدهام مطبوعة على أفلام كوداك القديمة، قدمتها دار الفنون السعودية، كانت هذه الشرائح بمثابة نافذة على مرحلة تاريخية مدهشة كشفت لي كيف كان التوثيق الفني يتم بأدوات تقليدية تحمل قيمة زمنية عالية.
من أبرز لحظات الزيارة تلقّي رسالة بخط يد الفنان، حملت كلمات مؤثرة فيها تقدير وتشجيع خصني فيها بقوله «إليكِ يا هوازن مع كل الود والتقدير فنانة المستقبل»، كانت هذه الكلمات بالنسبة لي دافعاً عظيماً لمواصلة مسيرتي الفنية بشغف وثقة.
ومن بين الأعمال التي شدت انتباهي تصميمه شعار المملكة في مناسبة «مئوية التوحيد»، وهو عمل جمع الرمز الوطني في رؤية بصرية عميقة تحاكي الوحدة والبناء، وتعكس مدى ارتباطه بهويته الوطنية.
كما وجدت في رحلتي بين أرجاء الدار أن الفنان كان يحمل طموحات واسعة للفن، ورؤية تؤمن بقدرته على أن يكون وسيلة للتعبير عن الذات والهوية والقضايا الكبرى للمجتمع، لا مجرد ممارسة فردية، فقد آمن بضرورة دعم الأجيال الجديدة وإتاحة الفرصة لهم لتوسيع مداركهم وصياغة تجاربهم الفنية بروح أصيلة.
غادرت دار الفنان علي الرزيزاء محملة بالذكريات والصور، لكن الأهم أنني خرجت بإلهام جديد يربطني بالتراث ويحثني على الاستمرار في صياغة تجربتي الفنية بصدق وأصالة.
أخبار ذات صلة