الشرق الأقصى الروسي.. ثروات طبيعية هائلة وإمكانات اقتصادية استراتيجية

عربي ودولي
24
الشرق الأقصى الروسي
الدوحة – قنا
يمثل الشرق الأقصى الروسي كنزا من الثروات الطبيعية الهائلة والإمكانات الاقتصادية الاستراتيجية، تسعى روسيا إلى استغلاله لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وتعد تنمية هذه المنطقة أولوية كبرى في القرن الحادي والعشرين أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضمن استراتيجية تهدف لتعزيز الحضور الاقتصادي والجيوسياسي لبلاده في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، نظرا لما تمثله من أهمية استراتيجية على الصعيدين الداخلي والدولي، سواء لوفرة مواردها أو لموقعها الجغرافي الحيوي.
تمتد هذه المنطقة الواقعة في أقصى شرق الجزء الآسيوي من روسيا، من سيبيريا شرقا حتى المحيط الهادئ غربا، ومن المحيط المتجمد الشمالي شمالا حتى الصين وكوريا الشمالية جنوبا. ويغطي مساحة تقارب 6.2 مليون كيلومتر مربع، أي ما يزيد عن ثلث مساحة البلاد، ورغم ذلك لا يضم سوى 6 بالمئة من إجمالي عدد السكان.
وتتميز هذه المنطقة بتنوعها المناخي وامتدادها على أربع مناطق زمنية، ما يمنحها طابعا فريدا في الجغرافيا الروسية. كما تزخر بثروات طبيعية هائلة تشكل ركيزة أساسية للناتج المحلي الإجمالي، وتلعب دورا محوريا في تعزيز قوة روسيا الاقتصادية على المستوى العالمي.
وتضم المنطقة مصادر ضخمة للطاقة، إذ تحتوي على احتياطيات هائلة من النفط والغاز، من بينها مشروع /سخالين/ للغاز الطبيعي المسال، وهو من أكبر المشاريع في العالم، ويسهم بنسبة تقارب 4 بالمئة من الإنتاج العالمي في هذا القطاع، وتوجه صادراته بالأساس إلى دول آسيا مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
ولا يقتصر غنى المنطقة على الطاقة، بل يشمل أيضا المعادن الثمينة والنادرة فهي تنتج كميات كبيرة من الذهب والفضة والبلاتين والنحاس والنيكل والكوبالت، إلى جانب الفحم والألماس، وتقدر قيمة إنتاج الذهب فيها بمليارات الدولارات سنويا، فيما شكل جزء كبير من إنتاج روسيا البالغ 330 طنا في عام 2022 من الشرق الأقصى.
ويمتد التنوع الاقتصادي في الشرق الأقصى إلى الموارد البحرية، حيث تطل المنطقة على المحيط الهادئ، وتضم مناطق صيد تعد من بين الأغنى عالميا، إذ تنتج أنواعا متعددة من الأسماك والمأكولات البحرية كالسلمون والرنجة وسرطان البحر والكافيار.
كما تمثل الغابات موردا أساسيا، إذ تغطي أكثر من نصف مساحة المنطقة، وتستخدم في إنتاج الأخشاب وصناعة الأثاث والورق، فيما تصل قيمة صادراتها من المنتجات الخشبية إلى أكثر من عشرة مليارات دولار سنويا.
وتعزز الموارد المائية من أهمية المنطقة، بفضل الأنهار الجارية والبحيرات المنتشرة، التي تستخدم في الري والصيد والنقل، وتوفر إمكانات كبيرة لتوليد الطاقة الكهرومائية.
وتلعب محطات الطاقة الكهرومائية في الشرق الأقصى الروسي دورا محوريا في توفير الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ما يعزز من جهود الاستدامة البيئية. إلى جانب ذلك، تتمتع المنطقة بمقومات سياحية فريدة، أبرزها مناظر /كامتشاتكا/ البركانية وينابيعها الحارة، والمواقع الثقافية في /فلاديفوستوك/ و/خاباروفسك/.
ورغم المناخ القاسي الذي يطبع الشرق الأقصى، حيث تنخفض درجات الحرارة في الشتاء إلى نحو خمسين درجة تحت الصفر، وتطول فصول الشتاء مع قصر الصيف، إلا أن المنطقة تحتفظ بجاذبية استثمارية متزايدة.
وتستند هذه الجاذبية إلى مواردها الغنية وموقعها القريب من الأسواق الآسيوية الكبرى مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان، ما يمنحها ميزة استراتيجية لتطوير الصناعات وتكثيف التبادل التجاري.
وتعمل الحكومة الروسية على تسريع وتيرة التنمية في الشرق الأقصى عبر بناء الطرق والجسور وتطوير البنية التحتية وربط المناطق بشبكات الكهرباء والمياه. كما أنشأت مناطق اقتصادية خاصة، من أبرزها منطقة فلاديفوستوك التي تمنح حوافز جمركية وضريبية لجذب الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ويعقد سنويا منتدى الشرق الاقتصادي في فلاديفوستوك بمشاركة دول إقليمية فاعلة، بهدف مناقشة التحديات الاقتصادية واستكشاف فرص التعاون والاستثمار في المنطقة.
ورغم التقدم المحرز، لا تزال المنطقة تواجه تحديات تتمثل في انخفاض الكثافة السكانية، وصعوبة تأمين القوى العاملة المؤهلة، وضرورة استكمال البنية التحتية بشكل شامل. وبينما تسعى روسيا لتعزيز وجودها في الشرق الأقصى، فإن هذه المنطقة مرشحة لأن تتحول إلى جسر استراتيجي بين الشرق والغرب، في سياق دولي يشهد تغيرات متسارعة في موازين القوى الاقتصادية والسياسية .
مساحة إعلانية