تعيين رئيس وزراء جديد في السودان بين الطموحات والتحديات

عربي ودولي
78
الدوحة – قنا
في ظل تحديات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية غير مسبوقة يشهدها السودان نتيجة الصراع المسلح المستمر منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، جاء تعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيسا جديدا للوزراء في السودان، حيث تترقب الساحة السياسية إطلاق المشاورات الخاصة بتشكيل حكومة جديدة تقديرا لظروف البلاد الحالية.
كما يأتي تعيين رئيس الوزراء الجديد في وقت يشهد فيه السودان الكثير من التحديات والطموحات التي تتطلب جهودا حثيثة لمعالجتها، يتصدرها إنهاء الصراع المسلح الذي ألحق بالسودان وشعبه ومقدراته خسائر لاتعد ولاتحصى، كما ينتظره تعزيز الوحدة الوطنية وإعادة إعمار البنية التحتية والمنشآت الخدمية التي دمرتها الحرب، ومعالجة الانهيار الاقتصادي وإدارة الفترة الانتقالية وضمان تحقيق أهدافها المتمثلة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتحقيق توافق وطني بين مختلف القوى السياسية، وإطلاق حوار وطني شامل حول مستقبل السودان.
وكان الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي عين /الإثنين/ الماضي إدريس رئيسا للوزراء بعد شغور المنصب لنحو 4 سنوات، في خطوة نحو استكمال الهياكل المؤسسية للدولة، كما جاء تعيينه في سياق الفترة الانتقالية التي يمر بها السودان، والتي تم تمديدها إلى 39 شهرا، تبدأ من 23 فبراير 2025.
كما أصدر البرهان مرسوما بتعيين سلمى عبدالجبار ونوارة أبو محمد محمد طاهر عضوين في مجلس السيادة ليرتفع عدد أعضاء المجلس إلى 9، إلى جانب مرسوم بإلغاء إشراف أعضاء مجلس السيادة على الوزارات والوحدات الحكومية، وهو ما يمنح وفق محللين سودانيين رئيس الوزراء الجديد كامل الصلاحيات اللازمة لإدارة الجهاز التنفيذي. وجاءت هذه التعيينات في ظل ظروف استثنائية يعيشها السودان.
ويعد تعيين كامل إدريس أول تعيين لرئيس وزراء في السودان منذ استقالة الدكتور عبدالله حمدوك في يناير 2022، وقد لاقى هذا التعيين ترحيبا من قبل الاتحاد الإفريقي، ووصف محمود علي يوسف رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي هذه الخطوة، بأنها تمثل تطورا مهما على طريق تحقيق الحكم الشامل واستعادة النظام الدستوري في السودان، ودعا المسؤول الإفريقي جميع الأطراف السودانية لمضاعفة جهودها من أجل إنجاح عملية الانتقال السياسي بما يضمن أن تكون بقيادة مدنية، لأن هذا الموقف يجدد الآمال بإمكانية رفع تعليق عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي وهي العضوية التي جمدها الاتحاد بعد أن اعتبر الإجراءات التي قام بها البرهان في 25 أكتوبر 2021 انقلابا عسكريا أطاح بالحكومة الانتقالية المدنية التي كان يرأسها عبدالله حمدوك.
كما رحبت الأمم المتحدة بتعيين الدكتور إدريس رئيسا للوزراء، وأعرب أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة عن أمله في أن يشكل التعيين خطوة أولى نحو مشاورات شاملة تهدف إلى تشكيل حكومة تكنوقراط واسعة القاعدة وتحقيق السلام.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة إعطاء الأولوية لجهود التوافق، وأن تفضي هذه الجهود إلى تقدم ملموس يعود بالنفع على جميع أبناء الشعب السوداني، بما في ذلك إسكات صوت السلاح، وتقديم الخدمات الأساسية لكافة السكان، ووضع أسس لرؤية مشتركة لمستقبل السودان.
وتفاوتت ردود الفعل السودانية على تعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيسا للوزراء وانقسمت بين مرحب ومشكك في هذه الخطوة، الأمر الذي يشير إلى صعوبة المهمة الملقاة على عاتقه، حيث تواجه رئيس الوزراء الجديد في السودان قائمة من المهام والتحديات التي تتطلب جهودا حثيثة لمعالجتها، ويتصدر هذه المهام إنهاء الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والذي دخل عامه الثالث وألحق بالسودان وشعبه ومقدراته خسائر لاتعد ولاتحصى.
ويتعين على رئيس الوزراء السوداني إدارة الفترة الانتقالية وضمان تحقيق أهدافها المتمثلة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وإرساء أسس الديمقراطية، كما يتعين عليه السعي لتحقيق توافق وطني بين مختلف القوى السياسية، وإطلاق حوار وطني شامل حول مستقبل السودان، وتحقيق الاستقرار والتنمية على أرضه، بالإضافة إلى العمل على تعزيز الوحدة الوطنية، وإعادة إعمار البنية التحتية والمنشآت الخدمية التي دمرتها الحرب، ومعالجة الانهيار الاقتصادي والتضخم المرتفع وانهيار قيمة العملة المحلية، وهو ما يتطلب مخصصات مالية ضخمة وخططا واستراتيجيات مدروسة وإصلاحات هيكلية في الاقتصاد.
كما يتعين على رئيس الوزراء السوداني الجديد العمل العاجل لضمان توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، مثل الكهرباء والماء والصحة والتعليم، واستعادة الأمن وضمان توفير الظروف الأمنية التي تتيح عودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في مختلف أنحاء السودان الذي بات يعيش واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، وكذلك معالجة ارتفاع معدلات الفقر والبطالة التي تفاقمت بسبب الحرب، وتوفير فرص عمل للشباب وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
ويستند الدكتور إدريس إلى خبرة سياسية ودبلوماسية وأكاديمية واسعة، فقد بدأ حياته دبلوماسيا وكسب تجربة واسعة في فضاء الأمم المتحدة جعلته يميل لعقد التسويات، وقد ولد كامل إدريس في مدينة أم درمان في العام 1954، وعاش حياته الأولى بأم درمان، واختار إدريس أن يجمع بين دراسة الفلسفة في جامعة القاهرة بالخرطوم، والتبحر في دراسة القانون بجامعة الخرطوم، وواصل مشواره الأكاديمي وحصل على درجة الماجستير من جامعة أوهايو الأمريكية، ثم الدكتوراه من إحدى الجامعات السويسرية، وعقب ذلك التحق بوزارة الخارجية السودانية، ومن بعثة السودان في نيويورك التحق بالأمم المتحدة حتى تم انتخابه مديرا عاما لمنظمة الملكية الفكرية التي عمل فيها لأكثر من دورة، وبعد التقاعد تفرغ لإلقاء المحاضرات العامة، وأسس مركزا للتحكيم في لندن حيث يعيش رفقة أسرته.
كما قاد كامل إدريس قاد مبادرة للتوسط في الأزمة السودانية في منتصف تسعينيات القرن الماضي حيث جمع في جنيف بين عراب حكومة الإنقاذ الشيخ حسن الترابي وأبرز معارضي الحكومة رئيس الوزراء المنقلب عليه وقتئذ الصادق المهدي.
وقبيل تقلده المنصب الجديد، أعد إدريس خطة لإدارة البلاد سماها “خطة مارشال لإعادة إعمار السودان”، وقبلها ألف كتاب “السودان في 2025، لكن وصوله للمنصب جاء في وقت غرق فيه السودان في أتون الصراع والفقر.
مساحة إعلانية