«ضربة مرفق».. صداقة 70 عاماً أفسدها رأي !

في كتاب ضربة مرفق: مطارحات عنيفة وردود ملتهبة، الصادر حديثاً في جزئه الأوّل عن دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع، تتبّع الكاتب الباحث المؤرخ السعودي محمد بن عبدالله السيف في 300 صفحة من القطع الكبير 7 معارك ثقافية دارت على صفحات الصحف، معتمداً على أرشيفه الصحفي الشخصي، وعلى ما اطّلع عليه من معارك قرأها في وقتها أو قادته إليها الصدفة أثناء البحث في أرشيف الصحف السعودية.
الكتاب ليس مجرد أرشيف صحفي كما ذكر السيف في مقدّمة كتابه هذا، بل هو إحياء لذاكرة الجدل في الوسط الثقافي السعودي، وتوثيق لصدام فكري كان جزءاً مهماً في نموّ الفكر، وحيويّة المشهد الثقافي.
عنوان يوحي بالمواجهة
الكتاب من عنوانه يعلن عن طبيعته الجدلية التي توحي بالمواجهة، فعبارة «ضربة مرفق» توحي بالاحتكاك الحاد والمواجهة المباشرة، بينما يلمّح العنوان الفرعي «مطارحات عنيفة وردود ملتهبة» إلى حدّة النقاشات التي تجاوزت أحياناً الإطار الفكري إلى أبعاد شخصيّة.
7 معارك فكرية
ضمّ الكتاب في جزئه الأوّل 7 معارك صحفيّة وقعت بين كتّاب ومثقفين سعوديين، مثل: «الرسائل» بين حمد الجاسر وعبدالكريم الجهيمان، «السادات» بين أحمد محمد جمال وعبدالله بن خميس وغازي القصيبي وعثمان العمير وجاسر الحربش وحمد الجاسر، «مصطفى جمال الدين» بين محمد رضا نصر الله وأحمد التويجري، «جبال الجزيرة» بين عبدالله بن خميس وعبدالعزيز الرويس، «الأبوّة» بين خالد الدخيّل وعبدالله الشهيل، «زكي يماني» بين عبدالله جفري وعابد خزندار، «حسن الترابي» بين زياد الدريس وعبدالله باجبير، وكان الباعث لهذه المعارك إمّا كتاب مطبوع أو مقال منشور في صحيفة ورقيّة.
مواجهة الجهيمان والجاسر
ما يلفت الانتباه أكثر في هذا الكتاب السجال الذي دار بين حمد الجاسر وعبدالكريم الجهيمان على صفحات صحيفة الرياض (17/ شعبان 1418هـ – 6/ رمضان / 1418هـ) بعد صداقة وثيقة ومتينة امتدت لأكثر من 70 عاماً، من أجل كتاب «رسائل لها تاريخ» الذي نشره الجهيمان وأهدى نسخة منه للشيخ حمد الجاسر، وكما ذكر محمد السيف في مقدمة كتابه هذا فالشيخ الجاسر لم يكن راضياً عن كتاب الجهيمان، لأنّه سبقه في الفكرة، ونشر بعضاً ممّا في أرشيفه من رسائل، وبهذا النشر فوّت الفرصة على الجاسر في نشر ما يمتلك من رسائل تفوق رسائل الجهيمان قيمة وعدداً وأهميّة، إضافة إلى سبب آخر – ذكره السيف في المقدمة – يخصّ ما ورد في رسالة عبدالله بن الشيخ أحمد المغربي، وما كان يمارسه من استفزاز لحمد الجاسر الذي كان يغضب منه ويطارده وقد وضع طرف ثوبه في فمه، فيظهر ما أسماه بـ«القشّ» وهو ما تمنّى حمد الجاسر عدم إيراد مثل هذه الرسائل في الكتاب.
أما عبدالكريم الجهيمان فقد استفزه الجاسر الذي تساءل في إحدى حلقاته الثمان عن المكان الذي ذهب إليه الجهيمان بعد وزارة المالية، وفي هذا إشارة إلى سجن الجهيمان.
اعتراضات الجاسر
مع أنّ الشيخ حمد الجاسر قد وصف كتاب الجهيمان بالطريف في أسلوبه، وفي موضوعه، الذي لم يسبق له أن قرأ في الكتب المتعلّقة بـ«السير الذاتية» عمّا يماثله، إلاّ أنّه اعترض على الجهيمان في طباعته لتلك الرسائل، وكان عليه أن يكتفي بالصورة فقط، لأنها واضحة – كما قال، إضافة إلى أنّ الرسائل المنشورة – كما قال الجاسر – لم ترتب في الكتاب حسب موضوعاتها أو على تسلسل تواريخها، وإنما سردت سرداً دون تنسيق أو ترتيب، كما ألحق مقطوعات من الشعر لشعراء لم يسمهم مع شهرة هذه المقطوعات. وعاب الجاسر على الجهيمان في كتابه هذا أنّ المقدمة موجزة، وكذلك الفهرس الذي لم يشمل كلّ المواضع التي وردت فيها تلك الأسماء، وأنّ بعض الرسائل ما كان على الجهيمان أن ينشرها.
ومع وجاهة ما كتب الجاسر من نقدات على كتاب الجهيمان إلاّ أنّ القارئ لما بين سطور هذه الحلقات الثمان يلحظ أنّ حديث الجهيمان «العابر» عن الجاسر كان المحفّز الأكبر لكتابة هذه المقالات، فقد وصف ذاكرة الجهيمان بأنها خانته في أكثر من موضوع، ويمكن الاستشهاد على ذلك بما ذكره الجهيمان في إحدى رسائله من أنّ الجاسر كان يشترك معهم في السهرة الممتعة بعض الأوقات، وردّ الجاسر بأنّ الجهيمان نفسه لم يكن يداوم، أما هو فقد كان من المداومين، وأنّه كان يقرأ الكتاب المختار في تلك السهرة.
حجج الجهيمان
استفتح عبدالكريم الجهيمان في مقالاته الخمس التي ردّ بها على نقدات الشيخ حمد الجاسر على كتابه «رسائل لها تاريخ» بأخذه نسخة من الكتاب وأنّه قدّمها للشيخ حمد قائلاً له: هذه رسائل قديمة من شخصيات يشرّفني أن تكون لي بهم علاقة تواصل.
فقال: مثل من؟ فقلت: فلان وفلان وفلان، فقال: إنّ لديّ رسائل أعرق وأعمق من رسائلك. فقلت مداعباً: أرجوك إرجاء نشرها حتى ينفد كتابي.
ولعلّ الجهيمان هنا أراد أن يثبت أنّ دوافع الشيخ حمد الجاسر في نقد الكتاب ليست موضوعية، بل شخصية.
كما لفت في أكثر من مقالة إلى أنّ ما كتبه الشيخ حمد الجاسر في حلقاته الثمان لم يتجاوز الاقتباسات من كتابه، وليس للشيخ حمد – كما قال – فيها إلاّ القليل.
واتهم الجهيمان الشيخ حمد الجاسر بـ «المتظاهر بأنّه لا ينسى»، وأنّه يريد أن يقول إنه لا تفوته شاردة ولا واردة، وأنّه يعرف أشياء لا يعرفها الناس.
وأرجع الجهيمان اعتراض الشيخ حمد الجاسر على نشر الجهيمان لبعض الرسائل إلى أنّ له «مواقف شخصيّة من أصحابها».
وسجّل الجهيمان في رسائله هذه اعتراضه على لقب «علامة الجزيرة» وتساءل: هل أنت أعلم واحد في الجزيرة؟!
توثيق لذاكرة الصحافة
بعيداً عن الخلافات الشخصية، والمعارك الثقافية، التي كانت الصحافة الورقيّة ساحة لها، فإنّ محمد السيف في كتابه هذا قدّم توثيقاً نادراً لحيوية السجالات الفكرية والثقافية في الصحافة السعودية خلال العقود الماضية، وذكّر الأجيال الجديدة بأنّ صفحات الصحف كانت يوماً ما مسرحاً لمعارك فكريّة حقيقيَة، تجاوزت حدود المجاملة والعلاقات الشخصيّة إلى ميادين النقد والمساءلة.
أخبار ذات صلة