منوعة

مكافآت معرض الكتاب شحيحة وبرنامجه فقير

يبدو أنّ الوضع المادي للكُتّاب والأدباء والصحفيين، يدفعهم للتفاؤل بمعارض الكُتب، كونها مظنّة دعوات مدفوعة التكلفة، تذاكر سفر وتنقّل، وسكن وإعاشة، إلا أن إغلاق معرض كتاب الرياض هذا العام باب المكافآت، والتقشف في بعض المصروفات الخاصة بالدعوات، إضافة إلى ضعف البرامج الثقافية المصاحبة أثار حفيظة البعض. «عكاظ» استطلعت آراء عدد من المثقفين، لنقل رؤيتهم، حول قضايا عدة ومواضيع تتكالب على الطرح في عُرس خير جليس؛ ويرى المستشار الإعلامي عبدالعزيز العيد أنه: لا بد من الإقرار بأن أي معرض كتاب موسمي، ينتقل من مدينة إلى أخرى؛ يحتاج جهداً يبدأ من الصفر، ما يجعل التجربة فقيرة ومليئة بالملاحظات التي تؤكد حرص الجمهور على جودة المعرض، وكما تعكس مبيعاته القوة الشرائية لزواره، فيجب أن يكون مستوى التمثيل للتنظيم في علو وسمعة المملكة، التي منحت الثقافة في رؤيتها 2030 مكانة سامقة بكل تفرعاتها.

وذهب إلى أنّ معرض هذا العام جاء مكانه في جامعة الأميرة نورة، وأضاف زحاماً إلى زحام الجامعة سواءً عبر السيارات أو الحافلات، أو عبر محطات المترو التابعة للجامعة، لافتاً إلى أنه بمُضي الأيام، يمكن تدارك بعض الأخطاء، خصوصاً في النقل الترددي، وتخصيص مسار للحافلات، كي لا تكون عالقة في زحمة سيارات الزوار.

وأوضح العيد أن الزائر يشعر بالارتياح ما إن يدخل المعرض، بحكم الممرات الواسعة، والتكييف الممتاز، مروراً بدورات المياه النظيفة، والمصليات الكافية، مؤكداً أن الأسعار يمكن ضبطها، شأن ضبط البيع الرقمي، إذ لم يعد البيع النقدي مسموحاً، فيما أشاد بجهود الأدلاء في أروقة المعرض. ودعا إلى مراجعة البرنامج الثقافي لمنع تكرار الأسماء، وعدّ تقليص المكافآت، ونقص الضيافة من إعاشة ووجبات وتذاكر، ومنع مكافأة المشاركة، لا تليق مطلقاً بسمعة المعرض، الذي كلف ملايين الريالات، ويتوقف عند مبالغ لا تتجاوز المليون، خصوصاً أن الضيوف من داخل الرياض، سيأخذون مكافأة المشاركة فقط. وأضاف: سمعتُ أكثر من ضيف، يقول «يبغوني أشارك بلاش!!»

وقدّم العيد مقترحات منها: أن تقوم وزارة الثقافة بتملّك أرض، وإنشاء مقر معارض صالح للكتاب وغيره في مكان مناسب في الرياض، ويتسع لمواقف سيارات كافية، وتقوم بتثبيت معرض الكتاب فيه، كما تقوم باستثماره طوال العام وتأجيره للجهات المستفيدة.

وذهب الكاتب علي مكي إلى أن الزخم الثقافي الذي تعيشه المملكة، يدفع إلى التزامن في أكثر من فعاليّة ثقافية في أنحاء المملكة التي تعيش حالة من الامتلاء الإبداعي، إذ تتحرك الفعاليات الكبرى في وقت واحد لتأكيد أن الثقافة السعودية لم تعد محصورة في العاصمة وحدها، بل تتوزع بين المركز والأقاليم. هذا التوزيع يمنح صورة جميلة عن تنوّع الجغرافيا الثقافية وثراء مصادرها. كما يفتح باباً أمام النقاد والمهتمين لقراءة المشهد بوصفه مشهداً متكاملاً، متعدد الأصوات والأنماط.

وأرجع التزامن بين معرض الرياض الدولي للكتاب ومهرجان القصيدة الوطنية في جمعية أدبي جازان، إلى إشكاليات، كون معرض الرياض للكتاب بطبيعته هو الحدث الأضخم والأكثر جذباً للإعلام العربي والدولي، ما يجعل أي فعالية أخرى تقام في ذات الوقت مهددة بأن يُسحب البساط من تحتها إعلامياً وجماهيرياً، ويضاعف من صعوبة حضور الشعراء والنقاد بين الفعاليتين، ويجعل بعضهم في موقع الاختيار بين المشاركة هنا أو هناك، ما يضعف الحضور النوعي لمهرجان جازان الشعري تحديداً. ويرى مكي أنّ المعضلة ليست في كثرة الفعاليات، بل في غياب التنسيق بينها. فلو وُزِّعت المواعيد بعناية، لكان لكل فعالية مساحتها الكاملة للظهور والتميز، ولأتيح للجمهور والمهتمين أن يعيشوا التجربتين على التوالي بدل الاضطرار إلى التضحية بإحداهما. ولم يستبعد الروح الايجابية للتزامن متمثلة في الحيوية، إن كانت نابعة من رؤية تكاملية، لا من اجتهادات تشتيت، وعدّ حُسنَ إدارة الروزنامة الثقافية الوطنية ضرورة، كي لا تبدو بوصلة الفعاليات وكأنها فقدت اتجاهها!

فيما أكد الشاعر ياسر الأطرش أنّ دعوة المثقفين من داخل المملكة وخارجها مهم جداً، ولا يراه مسألة «تجميلية»، كون مشاركة المثقفين والمبدعين في إحياء نشاطات ثقافية مصاحبة للمعرض، فعلٌ ثقافي مهم وأساسي، لناحية تعزيز التفاعل بين المنتِج والمتلقي من جهة، واختبار ثقافة المنتِج وأصالته واكتشاف أنساقه المضمرة من جهة أخرى، ولفت إلى أنّ هناك أدباء يثرون الحالة الثقافية الراهنة والمستقبليّة، وهؤلاء «يجب دعوتهم»، من أمثال: الكتّاب الذين لهم إصدارات جديدة مميزة في المعرض، والكتّاب أصحاب المشاريع الثقافية المتكاملة، وكذلك الكتّاب الإشكاليون، لكي نحاول وصل ما انقطع بين المختلفين عليهم، والوقوف على حقيقة منتجهم، هل هو معرفي جديد متحدٍّ، أو استعراضي بهدف إثارة الانتباه والتسويق!

وتطلّع إلى عدم تكرار الأسماء، لخلق فرص لمن يستحق (إلا في حالات محددة تجعل تكرار الاسم مضيفاً للمشهد).

وعدّ البرامج الثقافية المصاحبة لمعرض الرياض في نسخته الحالية، جيدة من ناحية شموليتها، إذ تجمع الإبداع إلى السياسة إلى الفلسفة إلى التاريخ، كون الثقافة كلّاً معرفيّاً تضم كل النشاطات البشرية، ويرى أن بعض ورشات العمل تقدم محتوى زائفاً في بعض العناوين.. فكيف لنا أن نقبل ورشة تزعم أنها تعلمنا أسرار الكتابة الأدبية في ساعة؟! كون المعرض ليس ساحة لهكذا نشاطات؛ لأنّها تتطلب دراسة معمقة ووقتاً مدروساً ومنهجاً واضحاً، مؤكداً أن معرض الرياض وثيقة عبور لمن يشارك في نشاطاته النوعية، فيجب ألا تُمنح هذه الوثيقة إلا لمن يستحقها.

ويذهب الشاعر حسن القرني لا إلى أنّ الدعوات ليست مهمة ولا ضرورية للمثقف؛ إلا إنّها حاجة من أجل الظهور والتواصل المباشر مع الجمهور والإجابة عن أسئلتهم ومناقشتهم حول الأفكار والكتب والمشاريع العامة والخاصة للمثقف المنتج للثقافة والمنظّر لها؛ مؤكداً أنه في الغالب ما تقف معارض الكتب على المؤلف، فعندما تأتي بالدور والكتب فستأتي بمؤلفيها وصنّاعها بالضرورة؛ ليتحدثوا ويعرضوا أفكارهم ورؤاهم وتجاربهم.

ولفت القرني إلى أنّ المعرض يقام كل عام بمشهد ثقافي حاضر وقضايا عالمية وإقليمية راهنة ومتغيرة؛ ما يفرض أن يتم اختيار الموضوعات للندوات والأماسي الثقافية المصاحبة على هذا الأساس؛ تفادياً لأن تكون ومعرضك الذي يمثلك ويقدمك للعالم؛ خارج المشهد تماماً؛ بلا نبض ولا حياة، ويرى من إشكالية المعرض، تغلغل مجموعة بعلاقاتها ورؤاها وتوجيهاتها واستشاراتها في مفاصل القرار الثقافي، مضيفاً: يكفي أن تطّلع على برنامج المعرض العام الفائت وتقارن، ولفت إلى أنه عندما كانت وزارة الثقافة قائمة على برامجها بشكل مباشر؛ كان المثقف يخاطبها وينتقدها مباشرة؛ وكان الأمر مُثاقفة بحتة بين رأي وآخر؛ فيما اختلف الأمر بدخول رأس المال، وأصبحت الفكرة ربحاً وخسارةً، ما انعكس تماماً على أسعار الكتب، ناهيك عن الضيف الذي يُدعى بناءً على (الشو)، فلم تعد القيمة الثقافية هي الركيزة، بل مقدار المسافة من الشبّاك، وأضاف، يمكن للضيف أن يلمس ذلك حينما يجد نفسه في مقعد اقتصادي في مؤخرة الطائرة، وتكفل له وجبة واحدة في الفندق، ومشاركة بلا مقابل، وخدمات أقل، مؤكداً أنّ صناعة برنامج ثقافي مهم وراهن وعظيم، ويحتاج إلى طبيعة ثقافية كاملة، بعيداً عن لغة رأس المال، وإن كان مهماً وضرورياً، في نطاق الدعاية والإعلان والرعايات مثلاً؛ لا التدخل في هيكلة المادة الثقافية المقدمة للعالم.

غياب أدباء يثير التساؤلات

تساءل عدد من زوار معرض الكتاب عن غياب أسماء لا يستغني عن حضورها أي معرض، منهم الروائي عبده خال، و تساءل الكاتب الدكتور حمود أبو طالب، عن سبب مُقنع لتجاهل اسم من أبرز الشخصيات الثقافية في الوطن؟.

نمطية البرنامج الثقافي

أجمع مثقفون حضروا معرض الكتاب على نمطية البرنامج الثقافي لمعرض هذا العام، و كأنه صورة مستنسخة من برامج معارض سابقة، وعده البعض ضعف رؤية، أو تعبئة جداول للاستهلاك.

ناشرون لا يعتنون بمحتوى الكتب

رصد الناقد الدكتور حسن النعمي، مفارقة أن بعض دور النشر لا تعرف تفاصيل ما حضرت به من كُتب، و أخرى لم تصحح الكتاب بل طبعته بأخطائه التي بعث بها إليهم المؤلف.

أكاديمي يقدم أكثر من ندوة

لاحظ متابعون للبرنامج الثقافي، أن أحد الأسماء الأكاديمية كرّس نفسه في أكثر من فعالية، بل ويغرد بتقديم أكثر من ندوة، ما يؤكد أن المجاملات طغت على إعداد البرامج واختيار الأسماء.

أحمد قِران: البرنامج الثقافي لا يعني توزيع ندوات على أسماء مكررة

يرى أستاذ الإعلام السياسي الدكتور أحمد قِران؛ وبحكم خبرات سابقة في معارض الكُتب، أنه حين تفتح أبواب معارض يتدفق إليها جمهور واسع من القراء والكتاب والناشرين والمثقفين، ليتحول المعرض إلى عرس ثقافي، إلا أن البعض يرون أن ما يسمى «البرنامج الثقافي» المرافق لهذه المعارض لا يرقى أحياناً إلى مستوى التطلعات، ويؤكد أن الاتهام الأبرز الذي يوجّه له هو أنه غير عادل: تهيمن عليه أسماء بعينها، وتستبعد فئات أخرى، فيتحول المنبر الثقافي إلى مساحة ضيقة، لا تعكس تنوع المجتمع ولا حيوية الساحة الثقافية والفكرية والأدبية.

وذهب قِرّان إلى أن العدالة في البرنامج الثقافي، لا تعني فقط توزيع الجلسات على أكثر عدد ممكن من الكتاب بعضهم مكرر في دورات سابقة، بل تعني قبل ذلك وضع معايير واضحة وشفافة تضمن مشاركة أطياف مختلفة من المبدعين والباحثين، وتفتح المجال أمام الشباب والأسماء الصاعدة، والتجارب الثقافية الفاعلة.

وعدّ من العدالة في البرنامج الثقافي، أن يجد زائر المعرض فعالية للأطفال، وندوة نقدية للفكر والفلسفة، وأن يحضر أمسية شعرية كما يحضر ورشة عن النشر الرقمي وحقوق المؤلف، ويكون المعرض مرآة للمجتمع بكل فئاته وأطيافه ومجالاته، لا مجرد انعكاس لرؤية ضيقة أو ذائقة خاصة.

وعدّ المملكة قارة مترامية الأطراف وتزخر بأسماء وتجارب ثقافية كبيرة ومتنوعة، لكنها محرومة من حضور الحدث الثقافي المهم، وتطلّع إلى أن تفعل وزارة الثقافة مع المثقفين كما تفعل وزارة الرياضة مع الرياضيين حينما توجه لهم دعوات في مناسباتها الكبيرة، وكما تفعل الهيئة العامة للترفيه مع الفنانين والإعلاميين والمثقفين في الأنشطة الثقافية. وأكد أن الدعوات تُنبئ عن مكانة المدعو واحترام الجهة له ولمكانته، موضحاً أن وزارة الثقافة والإعلام حرصت سابقاً على دعوة عدد كبير من المثقفين من مختلف مناطق المملكة لحضور فعاليات معرض الكتاب، وكانت الوزارة توفر لهم كل ما يعكس التقدير لمكانتهم، من تذاكر السفر والإقامة المميزة إلى الاستقبال والتنقلات، ما خلق حالة من الاحتفاء الحقيقي بالمثقفين وتقدير مكانتهم، وأوجد فرص التواصل بين الأجيال المختلفة، وتنشيط الحوارات الثقافية، وزيادة زخم الفعاليات المصاحبة للمعرض بما تضيفه من نقاشات ومداخلات تثري المشهد الثقافي كله.

وطالب بأن تتسع المنصات لمناقشة القضايا المعاصرة: من الذكاء الاصطناعي في النشر، إلى مستقبل الثقافة الرقمية، إلى قضايا الهوية، لا أن تظل محصورة في موضوعات تقليدية لا تجذب إلا شريحة محدودة، مشيراً إلى أن التجارب العالمية في معارض الكتب الكبرى؛ ومنها فرانكفورت أو الدار البيضاء أو معرض القاهرة، تُظهر أن نجاح البرنامج الثقافي يرتبط أساساً بقدرته على أن يكون ملتقى حقيقياً للنقاش والحوار والتفاعل.

لافتاً إلى أن الجمهور لا يذهب للمعرض فقط لشراء الكتب، بل ليجد نفسه في قلب النقاشات، وليشعر أن صوته حاضر وأن اهتماماته تتحقق، والتفاعل يُلمس بين الكبار والشباب، الرجال والنساء، المركز والأطراف، الورقي والرقمي، الشعر والرواية والفلسفة والعلوم، فيغدو معرض الكتاب مساحة وطنية جامعة، ولحظة ثقافية تعكس حيوية المجتمع السعودي بكل أطيافه.

تفاعل وشفافية رئيس هيئة الأدب عبداللطيف الواصل

حظيت متابعة وتفاعل رئيس هيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور عبداللطيف الواصل بإعجاب وإشادة مثقفين وأدباء، وأبدى زوار ونقاد لبعض فعاليات المعرض امتناناً لشفافية الواصل؛ التي أثبت من خلالها أن العمل الثقافي تفاعلي بين المنتج والمُسوّق والمُتلقّي، وأثبت الدكتور الواصل عبر ردوده على منصة (X) أنه إداري متحضّر، وقادر على استيعاب جميع الملاحظات، ومعالجة القصور وتصحيح الأخطاء غير المقصودة بالطبع، ولعلّ هذا النموذج الذي حضر هذا العام بكل رحابة الصدر يعزز فرص النجاح والقبول بالشراكات مع متخصصين وخبرات.

أخبار ذات صلة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى