الرياضة

حين التقى المجد..

في لحظةٍ لا تُقاس بالزمن، بل تُقاس بعظمة من اجتمع فيها، وقف التاريخ متأملاً مشهداً جمع (أسطورتين) تحت راية النصر. هناك، حيث تتقاطع الطرق بين المجد الآسيوي والحضور الأوروبي، وبين ذاكرةٍ نُسجت بخيوط الذهب، وطموحٍ لا يعرف السكون، تتجلّى حكايةٌ لا تُروى بالأرقام، بل تُروى بالقلوب.

ماجد عبدالله (جوهرة العرب) و(جلاد آسيا)، لم يكن لاعباً عابراً في ذاكرة كرة القدم، بل كان أيقونة سعدٍ للسعودية كلها. لاعبٌ تخطّى حدود الأندية ليغدو رمزاً لوطنٍ بأكمله. قال عنه لاعبون عاصروه: «كان المهاجم الذي لا يحتاج إلى كثير من اللمسات ليصنع الفارق، حضوره وحده يُرعب الخصوم». وأسطورة الكرة الكويتية جاسم يعقوب أكد أن ماجد هو «أسطورة الكرة الآسيوية»، بل إنه يفضله على نفسه. أما الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- فكان يردد دائماً: «ماجد عبدالله ليس مجرد هدّاف، إنه قيمةٌ أخلاقيةٌ قبل أن يكون قيمة كروية». ووصف البرازيلي كارلوس ألبرتو بيريرا (مدرب منتخب البرازيل الفائز بكأس العالم 1994) ماجد عبد الله بأنه من أفضل عشرة مهاجمين في العالم، فيما وصفه البرازيلي زاجالو بأنه «رجل الأهداف» وأنه لاعب هداف من طراز ممتاز وداعم للفريق.

كان يُسجّل، ويزرع الاحترام حيثما حلّ، بتواضعه وأدبه واحترافيته التي سبقت زمنها. رفع النصر والمنتخب إلى المنصّات، وحمل الكرة السعودية إلى أول حضور عالمي وأول لقب آسيوي، حتى غدا الوجه الأجمل للكرة العربية والآسيوية. لذا وصفه النقاد بـ«بيليه العرب»؛ إذ أعطته آسيا ما أعطت البرازيل لملكها (بيليه)، ورأى فيه العرب أسطورة تليق بشعبية (مارادونا) في الأرجنتين.

أما كريستيانو رونالدو، فقد شقَّ طريقه من شوارع ماديرا حتى صار أعظم هدّاف في تاريخ دوري أبطال أوروبا. أسطورة حيّة صاغت نفسها بالعرق والتضحيات، حتى قال عنه زلاتان إبراهيموفيتش: «لم يُولد أسطورة، بل صنع نفسه حتى صار مثالاً للانضباط». وأكّد لوكا مودريتش: «كريستيانو يجعلنا نؤمن أن المستحيل ممكن، لا يتوقف عن القتال حتى آخر دقيقة».

هو اللاعب الذي جمع بين جسدٍ فولاذي وعقلٍ لا يعرف الاستسلام، حمل البرتغال إلى لقبٍ قاري طال انتظاره، وصار رمزاً وطنياً مثلما كان مارادونا للأرجنتين. حتى الأسطورة بيليه اعترف به قائلاً: «كريستيانو يذكّرني بما يعنيه أن تُكرّس حياتك لكرة القدم»، فيما وصفه أليكس فيرغسون: «هو أكثر لاعب امتلك إرادة حديدية دربته».

وعندما نضع اسم ماجد عبدالله إلى جانب كريستيانو رونالدو تحت راية النصر، فإننا لا نستحضر مجرد صورتين، بل نرسم لوحة لحضارتين كرويتين؛ الأول أسطورة آسيوية لا تتكرر، كان أيقونة الفرح ومُلهم الأجيال، والثاني ماكينة أوروبية لا تنطفئ، رمز الطموح الذي لا يعرف حدّاً.

إنهما معاً، يرويان حكاية كرة لا تُقاس فقط بالأهداف، بل بما تزرعه من قيمٍ وإلهام. حكاية أسطورتين نصراويتين حملتا أمانة المجد كلٌ في زمنه: ماجد الذي أحبّه العرب واحترمه الآسيويون جميعاً حتى صار فخر العرب وآسيا، وكريستيانو الذي أبهر العالم بأرقامه حتى صار فخر أوروبا. وكأن القدر شاء أن يلتقيا ليكتمل المشهد: بين الماضي المضيء والحاضر المشرف، بين أسطورتين تستحقان أن يُذكر اسماهما كما يُذكر بيليه ومارادونا في بلديهما وقارتهما وبين أقطار العالم.

أخبار ذات صلة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى