«الشرق» توثق ذكرى ملحمة صمود الشعب التركي في مواجهة الانقلاب

عربي ودولي
104
❖ أنقرة – محمد علي المهندي
■ قطر تجسِّد قيم الوفاء في أخطر لحظات تركيا الحديثة
■ الدوحة اختارت الوقوف مع إرادة الشعب واستقرار الدولة
■ الرئيس التركي: ملحمة وطنية رسَّخت الديمقراطية الحديثة
■ إرادة الأمة هزمت الانقلاب وصنعت تركيا الجديدة
■ القصر الرئاسي يحتضن معرضًا يوثق لحظات المواجهة البطولية
■ آثار القصف شاهدة على صمود الدولة أمام العسكر في البرلمان
■ متحف إسطنبول يخلِّد تضحيات الشهداء والمقاومين
في أجواء وطنية مشحونة بالفخر والاعتزاز، أحيت الجمهورية التركية الذكرى التاسعة للمحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها البلاد في الخامس عشر من يوليو عام 2016، والتي شكّلت نقطة تحوّل مفصلية في التاريخ السياسي التركي الحديث.
وقد وجّهت السلطات دعوة رسمية لصحيفة «الشرق» لحضور فعاليات الذكرى التي أقيمت في العاصمة أنقرة وامتدت إلى إسطنبول، بمشاركة رفيعة المستوى ضمّت رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، وعددًا من الوزراء وأعضاء البرلمان وكبار المسؤولين، إضافة إلى حشد واسع من الصحفيين من مختلف أنحاء العالم، وذوي الشهداء والمصابين الذين واجهوا الانقلاب بصدورهم العارية.
إرادة الأمة تحمي الدولة
خلال كلمته الرئيسية، وجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحية تقدير وإجلال إلى أبناء الشعب التركي الذين تصدوا للمحاولة الانقلابية بكل شجاعة، مؤكدًا أن تلك الليلة كانت لحظة تجلت فيها الإرادة الوطنية في أبهى صورها. واعتبر أردوغان أن التصدي الشعبي للانقلاب مثّل دفاعًا حقيقيًا عن الديمقراطية والعدالة والحرية، وشكّل بداية عهد جديد لتركيا الحديثة.
وشدد الرئيس التركي على أن ملحمة 15 يوليو لم تكن فقط مواجهة لمحاولة انقلابية، بل كانت إعلانًا عن ميلاد «تركيا الجديدة»، دولة ناهضة صاعدة على الساحة العالمية، تحقق معدلات نمو متسارعة في مختلف القطاعات، وتفرض نفسها لاعبًا محوريًا في معادلات السياسة والاقتصاد الإقليمي والدولي.
كما أشار أردوغان إلى أن بلاده عازمة على المضي قدمًا نحو تطهير تركيا من الإرهاب، مؤكداً أن خلو البلاد من التهديدات الإرهابية سيمهّد الطريق أمام استقرار دائم في المنطقة بأكملها. وأضاف: «تركيا تتحرر اليوم من إرث نصف قرن من التهديدات والانقلابات، وتبدأ عهدًا جديدًا في التنمية، والسياسة، والأمن، والدفاع، والاقتصاد، يقوده شعب صامد وقيادة مخلصة».
وفي ختام كلمته، عبّر الرئيس التركي عن امتنانه للمواطنين الذين تصدّوا للانقلاب، وخصّ بالشكر ذوي الشهداء والمصابين، مؤكدًا أن تضحياتهم لن تُنسى، وأن ذكراهم ستبقى حية في ضمير الأمة التركية.
صور تحاكي لحظات الصمود
ضمن الفعاليات، نظمت دائرة الاتصال في الرئاسة التركية زيارة موسعة للصحفيين المحليين والدوليين إلى معرض «15 يوليو» في مجمع متحف القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة. ويقدم المعرض، الذي استقطب أكثر من 200 صحفي من مختلف دول العالم، سردًا بصريًا وتاريخيًا لأحداث تلك الليلة الحاسمة، من خلال صور، مجسمات، مؤثرات صوتية، وعروض تفاعلية توثق الدور البطولي الذي اضطلع به المواطنون في التصدي للمحاولة الانقلابية.
ويحتل مشهد المذيعة التركية الشهيرة «هاندي فرات» حيزًا رمزيًا في المعرض، إذ يُعرض تسجيل المقابلة التي أجرتها مع الرئيس أردوغان عبر الهاتف على الهواء مباشرة، حيث دعا خلالها الشعب للنزول إلى الشوارع، في لحظة اعتُبرت فارقة في قلب الموازين لصالح السلطة الشرعية.
قطر.. موقف استثنائي في لحظة مفصلية
وخلال مختلف فعاليات الذكرى، لم تغب الإشارة إلى موقف قطر الداعم للشرعية في تركيا خلال الساعات الأولى من محاولة الانقلاب. فقد كان الإعلان القطري الصريح بدعم الحكومة المنتخبة في أنقرة، علامة فارقة في الذاكرة السياسية التركية، ورسّخ مستوى غير مسبوق من الثقة السياسية بين البلدين. ويُعد هذا الموقف تجسيدًا للعلاقات الاستراتيجية بين الدوحة وأنقرة، والتي اتسمت بالتكامل والتنسيق في مختلف الأزمات والملفات الإقليمية.
آثار القصف شاهدة في البرلمان
زار وفد الصحافة البرلمان التركي في أنقرة، حيث لا تزال آثار القصف الذي تعرض له ليلة المحاولة الانقلابية ماثلة في المبنى، وتحديدًا في القاعة الرئيسية التي أبقتها السلطات دون ترميم كتعبير رمزي عن صمود الديمقراطية التركية رغم الهجوم. واستضاف مركز الاتصال الرئاسي في أنقرة ندوة سياسية موسعة بعنوان «الذاكرة والعدالة والمستقبل»، بحضور نائب الرئيس جودت يلماز ونخبة من الأكاديميين والمفكرين والإعلاميين، في مقدمتهم الصحفية هاندي فرات، التي استعرضت شهادتها المباشرة عن ليلة الانقلاب. تحدث خلالها نائب الرئيس عن الأبعاد القانونية والسياسية للمحاولة الانقلابية، فيما ركّز كل من بكر بوزداغ وصالح تانريكولو ونبي ميش على الجوانب المؤسسية والإعلامية للتعامل مع الأزمة. كما أشار المشاركون إلى الأساليب غير التقليدية التي انتهجتها جماعة فتح الله غولن، مؤكدين على أهمية القيادة والإعلام في إفشال المخطط الانقلابي.
متحف إسطنبول.. ذاكرة المقاومين
في إسطنبول، زار الوفد الإعلامي متحف 15 يوليو، الذي خصص لتوثيق تضحيات الشهداء والمصابين، ويعرض مقتنيات شخصية كالأحذية والملابس والدراجات التي استخدمها المواطنون في نقل الجرحى، إلى جانب صور فوتوغرافية، وأسلحة، وذخائر، ومجسمات للدبابات والطائرات التي استخدمت في تلك الليلة السوداء.
ويحتوي المتحف أيضًا على جدارية ضخمة كُتبت عليها أسماء الشهداء، وصور من تغطيات وسائل الإعلام العالمية للحادثة، في مشهد يخلّد بطولة الشعب التركي ويكرّسها في الوعي الوطني. وفي إطار البرنامج الرسمي، استقبل محافظ إسطنبول، داود غول، وفد الصحفيين مرحّبًا بهم، وألقى كلمة أكد فيها أن المحاولة الانقلابية لم تكن اختبارًا للسلطة فحسب، بل كانت اختبارًا لإرادة الشعب، مشيدًا بشجاعة المواطنين الذين واجهوا العسكر بصدورهم العارية من أجل الدفاع عن مستقبل بلادهم.
مساحة إعلانية